الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وهي سنة سبع وستين ومائتين: فيها دخلت الزنج واسطا واستباحرها وأحرقوا فيها فجهز الموفق ابنه أبا العباس لحربهم في جيش عظيم فكانت بينه وبينهم وقعة عظيمة انهزم فيها الزنج وقتل أبو العباس فيهم مقتلة عظيمة وأسر جماعة وفرقهم وغرق مراكبهم في الماء فكان ذلك أول نصر المسلمين على الزنج ثم كان بعد ذلك في هذه! السنة أيضًا عدة وقائع بين الزنج وبينه والجميع ينتصر فيها أبو العباس بن الموفق وفيها بنى الموفق مدينة بإزاء مدينة صاحب الزنج وسماها الموفقية. وفيها وثب صاحب الترجمة أحمد بن طولون على أحمد أبن محمد بن المدبر وكان أحمد بن محمد بن المدبر متولي خراج دمشق والأردن وفلسطين وحبسه وأخذ أمواله ثم صالحه على ستمائة ألف د ينار. وفيها حج بالناس هارون بن محمد بن إسحاق العباسي. وفيها توفي علي بن الحسن بن موسى بن ميسرة الهلالي النيسابوري الدرابجردي ودرابجرد محلة بنيسابور كان من أكابر علماء نيسابور وابن عالمهم وله مسجد بدرابجرد يقصد للزيارة وقيل: فاضلًا وجد في مسجده ميتا بعد أسبوع ولم يعلموا به وقيل: أكله الذئب. وفيها توفي محمد بن حماد بن بكر المقرىء صاحب خلف بن هشام كان أحد القراء المجودين وعباد الله الصالحين. وفيها توفي شهيدا يحيى بن محمد بن يحيى أبو زكرياء الذهلي إمام أهل نيسابور في الفتوى والرياسة وكان يتفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة وهو ابن صاحب الواقعة مع محمد بن إسماعيل البخاري. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ست أذرع وتسع أصابع ونصف. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وأربع عشرة إصبعًا. السنة الرابعة عشرة من ولاية أحمد وهي سنة ثمان وستين ومائتين: فيها غزا خلف الفرغاني التركي نائب أحمد بن طولون ثغور الشام فقتل من الروم بضعة عشر ألفا وغنم حتى بلغ السهم أربعين دينارًا. وفيها أظهر لؤلؤ الخلاف على أحمد بن طولون وكاتب الموفق بالقدوم عليه. ولؤلؤ المذكور من موالي أحمد بن طولون. وفيها توفي أحمد بن سياربن أيوب الحافظ أبو الحسن المروز في مام أهل الحديث بمرو كان جمع بين الحديث والفقه والورع والزهد وكان يقاس بعبد الله بن المبارك وقد روى عنه أئمة خراسان: البخاري وغيره. وأخرج له النسائي وآتفقوا على صدقه وثقته. وفيها توفي أنس بن خالد بن عبد الله بن أبي طلحة بن موسى بن أنس بن مالك الأنصاري كان إماما حافظا روى عنه عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل وغيره. وفيها توفي محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أبو عبد الله فقيه أهل مصر ومحدثهم ولد سنة اثنتين وثمانين ومائة ومات بمصر في ذي القعدق وصلى عليه القاضي بكار وكان يعرف بصاحب الشافعي لأنه أسند عنه وكان مالكي المذهب وآمتحن بعد أن حمل إلى بغداد فثبت على السنة. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم خمس أذرع وخمس عشرة إصبعا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا. وهي سنة تسع وستين ومائتين: فيها قطعت الأعراب الطريق على أقافلة من الحاج وأخذت خمسمائة جمل بأحمالها. وفيها وثب خلف الفرغاني التركي عامل أحمد بن طولون على يا زمان خادم الفتح بن خاقان وحبسه بالثغور فخلصه الجند وهموا بقتل خلف فهرب إلى دمشق فاتفقوا ولعنوا أحمد بن طولون على المنابر. فبلغ ابن طولون فسار من مصر حتى نزل آذنة وقد تحصن بها يازمان المذكور فأقام آبن طولون مدة على حصاره فلم ينل منها طائلا فعاد إلى دمشق. وفيها آستولى الموفق على مدينة صاحب الزنج ودخلها عنوة. وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن القاسم الحافظ أبو بكر الوراق على الصحيح حدث عن عبد الله بن معاذ العنبري وغيره وروى عنه أبو سعيد ابن الأعرابي وغيره. وفيها توفي الحسن بن مخلد بن الجراح أبو محمد الكاتب الوزير ولد سنة تسع ومائتين وكان يتولى ديوان الضياع للمتوكل جعفر وآستوزره المعتمد. وفيها توفي خالد بن أحمد بن عمرو الأمير أبو الهيثم الذهلي ولي إمرة مرو وهراة وبخارى وغيرها وكان من أهل السنة وله أيام مشهورة وأمور مجموعة. قال ابن قزأوغلي في تاريخه: وهو النيى نفى البخاري عن بخارى لما قال: الفظي بالقرآن مخلوق وكان يحب العلماء والحديث أنفق في طلب الحديث والعلم ألف ألف درهم. وفيها توفي عيسى بن الشيخ بن ال! ليل أبو موسى الذهلي الشيباني كان غلب على دمشق أيام المهتدي وأول أيام المعتمد. وفيها توفي محمد بن إبراهيم أبو حمزة الصوفي البغدادي أستاذ البغداديين وهو أول من تكلم في هذه المذاهب: من صفاء الذكر وجمع الهم والمحبة والعشق والأنس لم يسبقه إلى الكلام بهذا على رؤوس المنابر ببغداد أحد كان عالما بالقراءات وجالى الإمام أحمد بن حنبل وكان الإمام أحمد إذا جرى في مسألة شيء من كلام القوم يلتفت إليه ويقول: ماتقول في هف! المسألة يا صوفي. وصحب سريا السرقطي والجنيد وحسنا المسوحي وكيرهم. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم أربع أذرع وست عشرة إصبعًا. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وعشرون إصبعًا. السنة السادسة عشرة من ولاية أحمد وهي سنة سبعين ومائتين أعني التي مات فيها أحمد بن طولون المذكور: فيها كانت أيضًا وقائع بين الموفق طلحة وبين صاحب الزنج قتل في آخرها صاحب الزنج علي لعنه الله تعالى. وفيها أنشق ببغداد في الجانب الغربي شق من نهر عيسى فجاء الماء إلى الكرخ فهدم سبعة آلاف دار. وفيها ظهر أحمد بن عبد الله بن إبراهيم العلوي بصعيد مصر وتبعه خلق كثير فجهز إليه أحمد بن طولون جيشًا فكانت بينهم حروب حتى ظفر أصحاب آبن طولون به فحملوه إليه فقتله ومات بعده بيسير. وفيها بنى أحمد بن طولون على قبر معاوية بن أبي سفيان أربعة أروقة ورتب عند القبر أناسا يقرؤون القران ويوقدون الشموع عند القبر. وفيها توفي إسماعيل بن عبد الله بن ميمون بن عبد الحميد بن أبي الرجال الحافظ أبو نصر العجلي. سمع خلقا كثيرا وروى عنه غير واحد وكان ثقة شاعرا فصيحا ومات وله أربع وثمانون سنة. وفيها توفي القاضي بكاربن قتيبة بن عبد الله وقيل: قتيبة بن أسد بن أبي بردعة بن عبيد الله بن بشيربن عبيد الله بن أبي بكرة الثقفي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكنية القاضي بكار هذا أبو بكرة القاضي البصري الحنفي. ولد بالبصرة سنة اثنتين وثمانين ومائة. وهو أحد الأئمة الأعلام كان عالمًا فقيهًا محدثًا صالحًا ورعا عفيفا ثقة مات وهو أعلم زمانه بالديار المصرية. وفيها توفي داودبن علي بن خلف أبو سليمان الظاهري صاحب مذهب الظاهرية المعروف بداود الظاهري وهوأول من نفى القياس في الأحكام الشرعية وتمسك بظواهر النصوص وأصله من أصبهان وسمع الكثير ولقي لشيوخ وتبعه خاق كثير وقدم بغداد وصنف بها الكتب وتوفي بها في رمضان وقيل: في ذي القعده. وفيها توفي الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل أبو محمد المراثي الفقيه صاحب الشافعي رضي الله عنه نقل عنه معظم أقاويله وكان فقيها فاضلا ثقة دينا مات بمصر في شوال وصلى عليه صاحب مصر خمارويه بن أحمد بن طولون. وفيها توفي عبد الله بن محمد بن شاكر أبو البختري العنبري الكوفي كان محدثًا فاضلًا قدم بغداد وحدث بها. وفيها توفي علي بن محمد صاحب الرنج وقائدهم وقيل: اسمه نهيود وهو صاحب الوقائع المقدم ذكرها مع الموفق وعساكره وكانت مدة إقامته أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام ولقي الناس منه في هذه المدة شدائد قال الصولي: قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف مابين شيخ وشاب وذكر وأنثى وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف. وكان له منبر في مدينته يصعد عليه ويسب عثمان وعليا ومعاوية وطلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم وهذا هو رأي الخوارج الأزارقة لعنة الله عليهم واستراح المسلمون بموته كثيرا ولله الحمد. وفيها توفي الفضل بن عباس بن موسى الأستراباذي. سمع أبا نعيم وروى عنه أبو نعيم عبدالملك بن علي كان فقيهًا فاضلًا مقبول القول عند الخاص والعام. وفيها توفي محمد أبن إسحاق بن جعفر الحافظ أبو بكر الصغاني رحل في طلب الحديث وسمع الكثير ولقي الشيوخ وكتبوا عنه. وفيها توفي محمد بن الحسين بن المبارك أبو جعفر ويعرف بالأعرابي. روى عنه ابن صاعد وغيره. وفيها توفي محمد بن مسلم بن عثمان الرازي ويعرف بآبن وارة. كان أحد الحفاظ الرحالين والعلماء المتقنين مع الدين والورع والزهد. وفيها توفي نصربن الليث بن سعد أبومنصور البغدادي الوراق أخرج له الخطيب حديثا يرفعه إلى عثمان بن عفان. أمر النيل في هذه السنة: ولاية خمارويه هو خمارويه وقيل خمار بن أحمد بن طولون التركي السامري المولد المصري الدار والوفاة تقدم التعريف بأصله في ترجمة أبيه أحمد بن طولون الأمير أبو الجيش خمارويه. ملك مصر والشأم والثغور بعد موت أبيه بمبايعة الجند له في يوم الأحد العاشر من ذي القعده سنة سبعين ومائتين. وعندما ولي إمرة مصر أمر بقتل أخيه العباس الذي كان في حبس أبيه أحمد بن طولون لامتناع العباس من مبايعة خمارويه هذا فقتل. وأم خمارويه أم ولد يقال لها مياس ولد بسرمن رأى في سنة خمس وخمسين ومائتين. وأول ما ملك مصر عقد لأبي عبد الله أحمد بن محمد الواسطي على جيش إلى الشام لست خلون من ذي الحجة سنة سبعين ومائتين المذكورة وعقد لسعد الأيسر على جيش آخر وبعث بمراكب في البحر لتقيم بالسواحل الشامية فنزل الواسطي فلسطين وهو خائف من خمارويه أن يوقع به لأنه كان أشار عليه بقتل أخيه العباس فكتب الواسطي إلى أبي أحمد الموفق يصغر أمر خمارويه عنده ويحرضه على المسير إلى قتاله فأقبل ابن الموفق من بغداد وقد انضم إليه إسحاق بن كنداج ومحمد بن ديوداد أبي السياج ونزل الرقة فتسلم قنسرين والعواصم وكان خمارويه جميع الشام والثغور داخلة في سلطانه ثم سار آبن الموفق حتى قاتل أصحاب خمارويه وهزمهم ودخل دمشق فخرج خمارويه في جيش عظيم لعشر خلون من صفر سنة إحدى وسبعين ومائتين فالتقى مع آبن الموفق بنهر أبي فطرس " المعروف بالطواحين من أرض فلسطين فاقتتلا فانهزم أصحاب خمارويه وكان خمارويه في سبعين ألفًا وآبن الموفق في نحو أربعة آلاف وآحتوى على عسكر خمارويه بما فيه. ومضى خمارويه عائدًا إلى مصر مهزوما فخرج كمين كان له مع سعد الأيسر ولم يعلم سعد أن خمارويه انهزم فحارب سعد الأيسر ابن الموفق حتى هزمه وأزاله عن عسكره آثني عشر ميلا. ورجع أبو العباس إلى دمشق فلم تفتح له . ثم مضى سعد الأيسر مع الواسطي إلى دمشق وطمع في البلاد الشامية وآستخف بخمارويه وغيره ثم استولى على دمشق. ووصل خمارويه إلى مصر في ثالث شهر ربيع الأؤل من السنة ولم يعلم ما وقع لسعد الأيسر فلما بلغه خبره خرج ثانيا إلى دمشق لسبع بقين من شهر رمضان من السنة فوصل إلى فلسطين ثم عاد بعساكره من غير حرب لأمور وقعت في ثامن عشر شوال واستمر بمصر إلى أن خرج ثالثا إلى الشام في ذي القعدة سنة آثنتين وسبعين ومائتين وقد خرج سعد الأيسر عن طاعته من يوم الواقعة فقاتل سعدا الأيسر المذكور وهزمه وظفر به وقتله ودخل دمشق وملكها في سابع المحرم من سنة ثلاث وسبعين ومائتين وأقام بها أياما ثم سار لقتال آبن كنداج فتقاتلا فكانت الهزيمة اولا على خمارويه وانهزم جميع أصحابه وثبت هو في طائفة من حماته وقاتل آبن كنداج المذكور حتى هزمهم وتبعهم بأصحابه حتى وصلت أصحاب خمارويه إلى سر من رأى بالعراق وعظم أمر خمارويه في هذه الواقعة وهابته الناس. ثم كتب خمارويه إلى أبي أحمد الموفق طلحة في الصلح فأجابه أخو الخليفة الموفق لذلك وكتب لخمارويه بولايته على مصر والشام جميعه والثغور ثلاثين سنة وقدم بالكتاب بعض خدام الموفق إلى الشام في شهر رجب وعرفه الخادم أن الكتاب كتبه الخليفة المعتمد وأخوه الموفق وابنه بأيديهم تعظيما لخمارويه فسر خمارويه بذلك وعاد إلى مصر في أواخر رجب المذكور وأمر بالدعاء لأبي أحمد الموفق المذكور بعد الخليفة وترك الدعاء عليه فإنه كان يدعى عليه بمصر من مدة سنين من أيام إمارة أبيه أحمد بن طولون من يوم وقع بين الموفق وبين أحمد بن طولون وخلع ابن طولون الموفق من ولاية عهد الخلافة وأمر القاضي بكاربن قتيبة بخلعه فلم يوافقه بكار على ذلك فحبسه أحمد بن طولون بهذا المقتضى. وقد ذكرنا ذلك كله في آخرترجمة أحمد بن طولون ولما أصطلح خمارويه مع الموفق عظم أمره وسكنت الفتنة فإنه كان في كل قليل يخرج العساكر المصرية لقتال عسكر الموفق فلما آصطلحا زال ذلك كله وأخذ ثم بلغ خمارويه مسير محمد بن أبي الساج إلى أعماله بمصر فخرج بعساكره في ذي القعدة ولقيه بثنية العقاب في دمشق وقاتله واشتد الحرب بين الفريقين وانكسر عساكر خمارويه فثبت هومع خاصته على عادته وقاتل ابن أبي الساج حتى هزمه أقبح هزيمة وقتل في أصحابه مقتلة عظيمة وأسر وغنم وعاد إلى الديار المصرية فدخلها في رابع عشرين جمادى الآخرة سنة ست وسبعين ومائتين فأقام بمصر مدة يسيرة وخرج إلى الإسكندرية في رابع شوال ثم عاد إلى مصر بعد مدة يسيرة فأقام بها قليلًا. ثم خرج إلى الشام في سنة سبع وسبعين ومائتين لأمر آقتضى ذلك وعاد بعد أيام إلى الديار المصرية فورد عليه الخبر بها بموت الموفق في سنة ثمان وسبعين ومائتين ثم ورد عليه الخبر في سنة تسع وسبعين ومائتين بموت الخليفة المعتمد وبويع بالخلافة المعتضد أبوالعباس أحمد بن الموفق طلحة بعد عمه المعتمد فبعث خمارويه إلى المعتضد بهدايا وتحف فسأله أن يزوج ابنته قطر الندى لولده المكتفي بالله فقال المعتضد: بل أنا أتزوجها فتزوجها في سنة إحدى وثمانين ومائتين ودخل بها ببغداد في آخر العام وأصدقها ألف ألف درهم. يقال: إن المعتضد أراد بزواجها أن يفقر أباها خمارويه في جهازها وكذا وقع فإنه جهزها بجهاز عظيم يتجاوز الوصف حتى قيل: إنه دخل معها فى جملة جهازها ألف هاون من الذهب. ولما تصاهر خمارويه مع المعتضد زالت الوحشة من بينهما وصار بينهما مودة كبيرة. وولاه المعتضد من الفرات إلى برقة ثلاثين سنة وجعل إليه الصلاة والخراج والقضاء بمصر وجميع الأعمال على أن خمارويه يحمل إلى المعتضد في العام مائتي ألف دينار عما مضى وثلاثمائة ألف دينار عن المستقبل. ثم قدم بعد ذلك رسول المعتضد إلى خمارويه بالخلع وكانت آثنتي عشرة خلعة وسيفا وتاجا ووشاحا. انتهى ما سقناه من وقائع خمارويه. ولا بد من ذكر شيء من أحواله وما جدده في الديار المصرية من شعار الملك فى أيام إمرته بها. ولما ملك خمارويه الديار المصرية بعد موت أبيه أحمد بن طولون أقبل على عمارة قصر أبيه وزاد فيه محاسن كثيرة وأخذ الميدان الذي كان لأبيه المجاور للجامع فجعله كله بستانأ وزرع فيه أنواع الرياحين وأصناف الشجر وحمل إليه كل صنف من الشجر المطعم وأنواع الورد وزرع فيه الزعفران وكسا أجسام النخل نحاسا مذهبا حسن الصنعة وجعل بين النحاس وأجسام النخل مزاريب الرصاص وأجرى فيها الماء المدبر فكان يخرج من تضاعيف قائم النخل عيون الماء فينحدر إلى فساقي معمولة ويفيض الماء منها إلى مجار تسقي سائر البستان وغرس في أرض البستان من الريحان المزروع في زي نقوش معمولة وكتابات مكتوبة يتعاهدها البستاني بالمقاريض حتى لا تزيد ورقة على ورقة لئلا يشكل ذلك على القارىء وحمل إلى هذا البستان النخل من خراسان وغيرها ثم بنى. في البستان برجا من الخشب الساج المنقوش بالنقر النافذ وطعمه ليقوم هذا البرج مقام الأقفاص وبلط أرضه وجعل فيه أنهارا لطافا يجري فيها الماء المدبر من السواقي وسرح في البرج من أصناف القماري والدباسي والنوبيات وما أشبهها من كل طائر يستحسن صوته وأطلقها بالبرج المذكور فكانت تشرب وتغتسل من تلك الأنهار وجعل في البرج أوكارا في قواديس لطيفة ممكنة في جوف الحيطان ليفرخ الطيور فيها وعارض لها فيه عيدانا ممكنة في جوانبه لتقف عليها إذا تطايرت حتى يجاوب بعضها بعضا بالصياح وسرح في البستان من الطير العجيب كالطواويس ودجاج الحبش ونحو ذلك شيئًا كثيرًا. وعمل في هذا البستان مجلسًا له سماه دار الذهب طلى حيطانه كلها بالذهب واللازورد في أحسن نقش وجعل في حيطانه مقدار قامة ونصف صورا بارزة من خشب معمول على صورته وصور حظاياه والمغنيات اللاتي تغنيه في أحسن تصوير وأبهج تزويق وجعل على رؤوسهن الأكاليل من الذهب والجواهر المرصعة وفي آذانها الأخراص الثقال ولونت أجسامها بأصناف تشبه الثياب من الأصباغ العجيبة فكان هذا القصر من أعجب ما بني في الدنيا. وجعل بين يدي هذا القصر فسقية ملأها زئبقأ. وسبب ذلك أنه اشتكى إلى طبيبه كثرة السهر وعدم النوم فأشار عليه بالتكبيس فأنف من ذلك وقال: لا أقدر على وضع يد أحد علي فقال له الطبيب: تأمر بعمل بركة من زئبق فعمل البركة المذكورة وطولها خمسون ذراعًا في خمسين ذراعا عرضا وملأها من الزئبق فأنفق في ذلك أموالا عظيمة وجعل في أركان البركة سككا من فضة وجعل في السكك زنانير من حرير محكمة الصنعة في حلق من فضة وعمل فرشًا من آدم يحشى بالريح حتى ينتفخ فيحكم حينئذ شده ويلقى على تلك البركة الزئبق ويشد بالزنانير الحرير التي في حلق الفضة المقدم ذكرها وينزل خمارويه فينام على هذا الفرش فلا يزال الفرش يرتج ويتحرك بحركة الزئبق مادام عليه. وكانت هذه البركة من أعظم الهمم الملوكية العالية وكان يرى لها في الليالي المقمرة منظر عجيب إذا تألف نور القمر بنور الزئبق. قال القضاعي: ولقد أقام الناس مدة طويلة بعد خراب هذا القصر يحفرون لأخذ الزئبق من شقوق البركة. ثم بنى خمارويه في القصر أيضًا قبة تضاهي قبة الهواء سماها الدكة وجعل لها الستر الذي يقي الحر والبرد فيسدل حيث شاء ويرفع متى أحب وكان كثيرا ما يجلس في هذه القبة ليشرف منها على جميع ما في داره من البستان والصحراء والنيل والجبل وجميع المدينة. ثم بنى ميدانا آخر أكبر من ميدان أبيه. وبنى أيضًا في داره المذكورة دارا للسباع وعمل فيها بيوتا كل بيت لسبع لم يسع البيت غير السبع ولبؤته وعمل لتلك البيوت أبوابا تفتح من أعلاها بحركات ولكل بيت منها طاقة صغيرة يدخل منها الرجل الموكل بخدمة ذلك البيت لفرشه بالرمل وفي جانب كل بيت حوض من الرخام بميزاب من نحاس يصب فيه الماء وبين يدي هذه البيوت رحبة فسيحة كالقاعة فيها رمل مفروش وفي جانبها حوض كبير من رخام يصب فيه ماء من ميزاب كبير فإذا أراد سائس من سواس بعض السباع المذكورة أن ينظف بيت ذلك السبع أويضع له غذاءه من اللحم رفع الباب بحيلة من أعلى البيت وصاح على السبع يخرج إلى الرحبة المذكورة ثم يرد الرجل الباب وينزل إلى البيت من الطاقة ويكنسه ويبدل الرمل بغيره من الرمل النظيف ويضع غذاءه من اللحم في مكانه بعدما يقطع اللحم قطعا ويغسل الحوض ويملؤه ماء ثم يخرج الرجل ويرفع الباب من أعلاه كما فعل أولا وقد عرف السبع ذلك فحالما يرفع الباب دخل السبع إلى بيته وأكل ما هيىء له من اللحم فكانت هذه الرحبة فيها عدة سباع ولهم أوقات يفتح فيها سائر بيوت السباع فتخرج إلى الرحبة المذكورة وتتشمس فيها ويهارش بعضها بعضا فتقيم يوما كاملا إلى العشي وخمارويه وعساكره تنظر إليها فإذا كان العشي يصيح عليها السواس فيدخل كل سبع إلى بيته لايتعداه إلى غيره. وكان من جملة هذه السباع سبع أزرق العينين يقال له: زريق! قد أنس بخمارويه وصار مطلقا في الدار لا يؤذي أحدا وراتبه على عادة السباع فلا يلتفت إلى غذائه بل ينتظر سماط خمارويه فإذا نصبت المائدة أقبل زريق معها وربض بين يدي خمارويه فيبقى خمارويه يرمي إليه بيده الدجاجة بعد الدجاجة والقطعة الكبيرة من اللحم ونحو ذلك مما على المائدة وكانت له لبؤة لم تأنس بالناس كما أنس هو فكانت محبوسة في بيت وله وقت معروف يجتمع بها فيه. وكان إذا نام خمارويه جاء زريق وقعد ليحرسه فإن كان قد نام على سريره ربض بين يدي السرير وجعل يراعيه ما دام نائما وإن نام خمارويه على الأرض قعد قريبا منه وتفطن لمن يدخل أو يقصد خمارويه لا يغفل عن ذلك لحظة واحدة وكان في عنق زريق طوق من ذهب فلا يقدر أحد أن يدنو من خمارويه ما دام نائما لمراعاة زريق له وحراسته إياه حتى أراد الله إنفاذ قضائه في خمارويه: كان بدمشق وزريق بمصر ولو كان زريق حاضرًا لما كان يصل إلى خمارويه أحد. فما شاء الله كان. وكان خمارويه أيضًا قد بنى دارا جديدة للحرم من أمهات أولاد أبيه مع أولادهن وجعل معهن المعزولات من أمهات أولاده وجعل فيها لكل واحدة حجرة واسعة لتكون لهم بعد زوال دولتهم وأقام لكل حجرة من الخدم والأسمطة الواسعة ما كان يفضل عن أهلها منه شيء كثير وكان الخدم الموكلون بالحرم من الطباخين وغيرهم يفضل لكل منهم مع كثرة عددهم الشيء الكثير من الدجاج ولحم الضأن والحلوى والقطع الكبار من الفالوذج والكثير من اللوزينج والقطائف والهبرات من العصيدة التي تعرف اليوم بالمأمونية وأشباه ذلك مع الأرغفة الكبار وآشتهر بمصر بيع الخدم لذلك فكان الناس يأتونهم لذلك من البعد ويشترون منهم ما يتفكهون به من الأنواع الغريبة من المأكل وكان هذا دواما في كل وقت بحيث إن الرجل إذا طرقه ضيف خرج من فوره إلى باب دار الحرم فيجد مايشتريه ليتجمل به لضيفه مما لايقدر على عمل مثله. ثم أوسع خمارويه آصطبلاته لكثرة دوابه فعمل لكل صنف من الدواب إصطبلأ حتى للجمال ثم جعل للفهود دارا مفردة ثم للنمورة دارا مفردة وللفيلة كذلك وللزرافات كذلك وهذا كان سوى الاصطبلات التي كانت في الجيزة ومثلها في نهيا ووسيم وسفط وطهرمس وكانت هذه لضياع لاتزرع إلا القرط برسم الدواب وكان للخليفة أيضًا إصطبلات بمصر سوى ذلك فيها الخيل لحلبة السباق وللرباط في سبيل الله برسم الغزو وعلى كل إصطبل وكلاء لهم الرزق السني والأموال لمتسعة. وبلغ رزق الجيش المصري في أيام خمارويه في السنة تسعمائة ألف دينار وكان مصروف مطبخ خمارويه في كل شهر ثلاثة وعشرين ألف دينار وهذا سوى مصروف حرمه وجواريه وما يتعلق بهن. وكان خمارويه قد آتخذ لنفسه من مولدي الحوف وسائر الضياع قومًا معروفين بالشجاعة وشدة البأس لهم خلق تام وعظم أجسام وأجرى عليهم الأرزاق ووسع لهم في العطاء وشغلهم عما كانوا فيه من قطع الطريق وأذية الناس بخدمته وألبسهم الأقبية من الحرير والديباج وصاغ لهم المناطق وقلدهم بالسيوف المحلاة يضعونها على أكتافهم إذا مشوا بين يديه وسماهم أ المختارة " فكان هؤلاء يقاتلون أمام جند خمارويه أضعاف ما يقاتله الجند. وكان إذا ركب خمارويه ومضى الحجاب بين يديه ومشى موكبه على ترتيبه ومضت أصناف العسكر وطوائفه تلاهم السودان وعدتهم ألف أسود لهم درق من حديد محكمة الصنعة وعليهم أقبية سود وعمائم سود فيخالهم الناظر إليهم بحرا أسود يسير على وجه الأرض لسواد ألوانهم وسواد ثيابهم ويصير لبريق درقهم وحلي سيوفهم والخوذ التي على رؤوسهم من تحت العمائم زي بهج إلى الغاية فإذا مضى السودان قدم خمارويه وقد آنفرد عن موكبه وصار بينه وبين الموكب نحو نصف غلوة سهم وخواصه تحف به. وكان خمارويه طويل القامة ويركب فرسا تاما فيصير كالكوكب إذا أقبل لا يخفى على أحد كأنه قطعة جبل. وكان خمارويه مهيبا ذا سطوة قد وقع في قلوب الناس أنه متى أشار إليه أحد بيده أو تكلم أو قرب منه لحقه ما يكره وكان إذا سار في موكبه لا يسمع من أحد كلمة ولا سعلة ولا عطس ولا نحنحة البتة كأنما على رؤوسهم الطير وكان يتقلد في يوم العيد سيفا بخمائل ولا يزال يتفرج ويتنزه ويخرج إلى المواضع التي لم يكن أبوه يخرج إليها كالأهرام ومدينة العقاب ونحو ذلك لأجل الصيد فإنه كان مشغوفا به لا يكاد يسمع بسبع إلا قصده ومعه رجال عليهم بود فيدخلون إلى الأسد ويتناولونه بأيديهم من غابته عنوة وهو سليم فيضعونه في أقفاص من خشب محكمة الصنعة تسع الواحد من السباع وهو قائم فإذا قدم خمارويه من الصيد سار القفص وفيه السبع أ بين يديه. وكانت حلبة السباق في أيامه تقوم عند الناس مقام الأعياد لكثرة الزينة وركوب سائر الجند والعساكر بالسلاح التام والعدد الكاملة ويجلس الناس لرؤية ذلك كما يجلسون في الأعياد. قلت: والتشبيه أيضًا بتلك الأعياد لا بأعياد زماننا هذا فإن أعيادنا الآن كالمآتم بالنسبة لتلك الأعياد السالفة. انتهى. وقال القض اعي: وكان أحمد بن تطولون بنى المنظر لعرض الخيل. قال: وكان عرض الخيل من عجائب الإسلام الأربع والأربع العجائب: منها كان عرض الخيل بمصر ورمضان بمكة والعيد بطر سوس والجمعة ببغداد. ثم قال القض اعي: وقد ذهب أثنتا من الأربع: عرض الخيل بمصر والعيد بطرسوس. انتهى. وقال المقريزي: وقد ذهبت الجمعة ببغداد بعد القضاعي بقتل هولاكو للخليفة المستعصم ببغداد وزالت شعائر الإسلام من العراق وبقيت مكة شرفها الله تعالى وليس في شهر رمضان الآن بها ما يقال فيه: إنه من عجائب الإسلام ". انتهى كلام المقريزي رضي الله عنه قلت: وما زال أمر خمارويه في تزايد إلى أن ماتت حظيته بوران التي بنى لها القصر المعروف ببيت الذهب المقدم ذكره فكدر موتها عيشه وآنكسر انكسار بان عليه. ثم إنه أخذ في تجهيز أبنته قطر الندى لما تزوجها الخليفة المعتضد فجهزها جهازا ضاهى به نعمة الخلافة. وقد ذكرنا سبب زواج الخليفة بأبنيته قطر الندى المذكور في أوائل ترجمته ووعدنا بذكر جهازها في آخر الترجمة في هذا المحل. وكان من جملة جهازها دكة أربع قطع من ذهب عليها قبة من ذهب مشبك في كل عين من التشبيك قرط معلق فيه حبة من جوهر لا يعرف لها قيمة ومائة هاون من الذهب. وقال الذهبي: وألف هاون من ذهب. قال القضاعي: وعقد المعتضد النكاح على أبنته قطر الندى فحملها أبو الجيش خمارويه إلى المعتضد مع أبي عبد الله بن الجصاص وحمل معها من الجهاز ما لم ير مثله ولا يسمع به. ولما دخل إلى خمارويه ابن الجصاص يودعه قال له خمارويه: هل بقي بيني وبينك حساب قال: لا فقال خمارويه: انظر حسنا فقال: كسر بقي من الجهاز فقال خمارويه: أحضروه فأخرج ربع طومار فيه ثبت ذكر نفقة الجهاز فإذا فيه أربعمائة ألف دينار فوهبها له خمارويه. قال محمد بن علي الماذرائي: فنظرت في الطومار فإذا فيه: ألف تكة الثمن عنها عشرة آلاف دينار ". قال القضاعي: وإنما ذكرت هذا الخبر ليستدل به على أشياء: منها سعة نفس أبي الجيش خمارويه ومنها كثرة مال آبن الجصاص حتى إنه قال: كسر بقي من الجهاز وهو أربعمائة ألف دينار لو لم يذكره بذلك لم يذكره ومنها: عمارة مصر في ذلك الزمان لما طلب فيها ألف تكة من أثمان عشرة دنانير قدر عليها في أيسر وقت بأهون سعي ولو طلب اليوم خمسون لم يقدر عليها. انتهى كلام القضاعي. قال المقريزي: ولا يعرف اليوم في أسواق القاهرة تكة بعشرة دنانير إذا طلبت توجد في الحال ولا بعد شهر إلا أن يعتنى بعملها. انتهى كلام المقريزي. ولفا فرغ خمارويه من جهاز آبنته قطر الندى أمر فبني لها على كل منزلة تنزل فيها قصر فيما بين مصر وبغداد وأخرج معها خمارويه أخاه خزرج بن أحمد بن طولون في جماعة مع ابن الجصاص فكانوا يسيرون بها سير الطفل في المهد وكانت إذا وافت المنزلة وجدت قصرا قد فرش فيه جميع ما تحتاج إليه. وقد علقت فيه الستور وأعد فيه كل مايصلح لمثلها. وكانت في مسيرها من مصر إلى بغداد على بعد الشقة كأنها في قصر أبيها حتى قدمت بغداد في أول المحرم سنة آثنتين وثمانين ومائتين وهي سنة قتل فيها خمارويه المذكور على ما سيأتي ذكره. ولما دخل بها الخليفة المعتضد أحبها حبا شديدا لجمال صورتها وكثرة آدابها. قيل: إنه خلا بها في بعض الأيام فوضع رأسه على ركبتها ونام وكان المعتضد كثير التحرز على نفسه فلما نام تلطفت به وأزالت رأسه عن ركبتها ووضعتها على وسادة ثم تنحت عن مكانها وجلست بالقرب منه في مكان آخر فأنتبه المعتضد فزعًا ولم يجدها فصاح بها فكلمته في الحال فعتبها على ما فعلت من إزالة رأسه عن ركبتها وقال لها: أسلمت نفسي لك فتركتني وحيدًا وأنا في النوم لا أدري ما يفعل بي! فقالت: يا أمير المؤمنين ما جهلت قدر ما أنعمت به علي ولكن فيما أدبني به والدي خمارويه: أني لا أجلس مع النيام ولا أنام مع الجلوس فأعجبه ذلك منها إلى الغاية. قلت: لله درها من جواب أجابته به. ولما فرغ خمارويه من جهاز ابنته قطر الندى المذكورة وأرسلها إلى زوجها المعتضد بالله تجهز وخرج إلى دمشق بعساكره وأقام بها إلى أن قتل على فراشه في السنة المذكورة. قال العلامة شمس الدين في تاريخه مرآة الزمان: كان خمارويه كثير الفساد بالخدم دخل الحمام مع جماعة منهم فطلب من بعضهم الفاحشة فامتنع الخادم حياء من الخدم فأمر خمارويه أن يضرب فلم يزل يصيح حتى مات في الحمام فأبغضه الخدم. وكان قد بنى قصرا بسفح قاسيون أسفل من دير مران يشرب فيه الخمر فدخل تلك الليلة الحمام فذبحه خدمه. وقيل: ذبحوه على فراشه وهربوا وقيل غير ذلك: إن بعض خدمه يولع بجارية له فتهددها خمارويه بالقتل فاتفقت مع الخادم على قتله. وكان ذبحه في منتصف ذي الحجة وقيل: لثلاث خلون منه من سنة أثنين وثمانين ومائتين. وكان الأمير طغج بن جف معه في القصر في تلك الليلة فبلغه الخبر فركب في الحال وتتبع الخدم وكانوا نيفا وعشرين خادما فأدركهم وقبض عليهم وذبحهم وصلبهم وحمل أبا الجيش خمارويه في تابوت من دمشق إلى مصر وصلى عليه ابنه جيش ودفن. ويقال: إنه دفن بالقصر إلى جانب أبي عبيدة البراني فرآه بعض أصحابه في المنام فقال له: ما فعل الله بك فقال: غفر لي بالقرب من أبي عبيدة ومجاورته. انتهى كلام صاحب المرآة. وقال غيره: قتل على فراشه ذبحه جواريه وخدمه وحمل في صندوق إلى مصر. وكان لدخول تابوته إلى مصر يوم عظيم استقبله جواريه وجواري غلمانه ونساء قواده بالصياح وما تصنع النساء في المآتم وخرج الغلمان وقد حلوا أقبيتهم وفيهم من سود ثيابه وشقها فكانت في البلد ضجة وصرخة حتى دفن. وكانت مدة ملكه على مصر والشام أثني عشرة سنة وثمانية عشر يومًا. وتولى مصر بعده ابنه أبو العساكر جيش بن خمارويه بن أحمد بن طولون. انتهى
|